للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحب المنزل يلطف بى، ويميل علىّ بالحديث، حتّى إذا شربنا أقداحا، خرجت علينا جارية، كأنها بدر، تتثنى يا أمير المؤمنين كالخيزران، فأقبلت، وسلّمت غير خجلة وثنيت لها وسادة، فجلست عليها، وأتى بالعود فوضع في حجرها، فجسته فاستبينت حذقها في جسّها، ثم اندفعت تغنّى

توهّمها طرفى فأصبح خدّها ... وفيه مكان الوهم من نظرى أثر

تصافحها كفّى فتؤلم كفّها ... فمن مسّ كفّى في أناملها عقر

فهيّجت يا أمير المؤمنين بلابلى، وطربت لحسن شعرها، ثم اندفعت تغنّى

أشرت إليها هل عرفت مودّتى؟ ... فردّت بطرف العين إنى على العهد

فحدت عن الإظهار عمدا لسرها ... وحادت عن الإظهار أيضا على عمد

فصحت يا أمير المؤمنين، وجاءنى من الطرب ما لم أملك نفسى معه، ثم اندفعت فغنّت الصوت الثالث

أليس عجيبا أن بيتا يضمّنى ... وإياك لا نخلو ولا نتكلّم!

سوى أعين تشكو الهوى بجفونها ... وتقطيع أكباد على النار تضرم

إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكفّ تسلّم

فحسدتها والله يا أمير المؤمنين على حدقها ومعرفتها بالغناء، وإصابتها لمعنى الشعر، فقلت: بقى عليك يا جارية، فضربت بالعود على الأرض، وقالت: متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان منّى، ورأيت القوم قد تغيّروانى، فقلت:

أما عندكم عود غير هذا؟ قالوا: بلى، فأتيت بعود، فأصلحت من شأنه ثم غنيّت