للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نقول: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الشيخ وغيرهم، في سبب نزول قوله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: ١٨٦] الآية، أن أعرابيّاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت عنه، فأنزل الله الآية (١) .


(١) أخرجه ابن جرير في «التفسير» (٣/٤٨٠ رقم ٢٩٠٤ - ط. شاكر) ، وابن أبي حاتم في «التفسير» (١/٣١٤ رقم ١٦٦٧) ، والدارقطني في «المؤتلف» (٣/١٤٣٥) ، وأبو سعيد النقاش في «فوائد العراقيين» (رقم ١٧) ، وابن أبي خيثمة في «جزء من روى عن أبيه عن جده» -كما في «لسان الميزان» (٣/١٩٥) ، و «من روى عن أبيه عن جده» لابن قطلوبغا (ص ٢٨٨) -، وابن مردويه -كما في «اللباب» (ص ٣٣) ، و «الدر المنثور» (١/٤٦٩) ، و «الفتح السماوي» (١/٢٢٤) -، والخطيب في «تلخيص المتشابه» (١/٤٦٢، ٤٦٣) ، وأبو الشيخ -كما في «العجاب» (١/٤٣٣) ، و «تفسير ابن كثير» (١/٢١٨) ، و «الدر المنثور» (١/٤٦٩) -، ثم وجدته في «العظمة» له (٢/٥٣٦ رقم ١٨٨) من طريق الصُّلْب بن حُكَيم، عن أبيه، عن جده أن أعرابياً ... به. ونقله السيوطي هكذا: «الصلت بن حكيم، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، عن جده» .
قال الشيخ أحمد شاكر في «تعليقه على تفسير ابن جرير» (٣/٤٨١) : «أخطأ فيه» ، قال: «وقد تكون زيادة عن رجل من الأنصار، خطأ من الناسخين، لا من السيوطي» !!
قال أبو عبيدة: ليس كذلك، فهو عند الدارقطني من طريق المحاملي، والخطيب (١/٤٦٣) من طريق أبي بكر بن أبي داود، كلاهما قال: ثنا يوسف -وهو: ابن موسى= =القطان-، حدثنا جرير، عن عَبدة السِّجستاني، عن الصُّلب بن حُكيم، قال القاضي: كذا قال: «عن رجل من الأنصار، عن أبيه، عن جده» .

فهذا الخطأ من شاكر -رحمه الله- وتابعه عليه محقق «الفتح السماوي» (١/٢٤٤-٢٢٥) ، ونبّه ابن ماكولا في «الإكمال» (٥/١٩٦) على أن ذلك رواية فيه، ولهذا السبب قال ابن ناصر الدين في «التوضيح» (٢/٢٣٣) عن هذا الإسناد: «فيه اضطراب» !
وخطّأ شاكر -أيضاً- ابن كثير، قال: «وقد وهم الحافظ ابن كثير، حين ذكره (١/٩٤) وجعله من حديث (معاوية بن حيدة القشيري) ، وكذا خطأ بقوة من جعل راويه (صلت بن حكيم) ! ورجّح أنه (صلب) ، وأنه وأبوه وجده مجاهيل، ولذا قال: «وهذا الحديث ضعيف جداً، منهار الإسناد بكل حال» » .
قلت: صرح ابن حجر في «العجاب» (١/٤٣٣) أن صلب -كذا ضبطه- هو ابن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، قال: «وهو أخو بهز بن حكيم» ! وكذا صنع ابن كثير في «تفسيره» كما تقدم.
ولم أره في كتب الرواية منسوباً (ابن معاوية بن حيدة) ! وإن جعله منسوباً هكذا ابن حجر في «لسان الميزان» (٣/١٩٥) -أيضاً-، وبالتأمل في كلامه، نجده يعتمد في ذلك على ابن أبي خيثمة! وأن لـ (الصلت) -بالتاء المثناة، هكذا- ترجمه الذهبي في «الميزان» ! وهي ليست في مطبوعه، وفيه: «أخرجه العلائي في كتاب «الوشي» عن إبراهيم بن محمد» ، وقال: «لم أر للصلت -كذا- ذكراً في كتب الرجال» ، ثم عقب ابن حجر على ذلك بقوله: «قلت: ذكره الدارقطني في «المؤتلف» وحكى الاختلاف: هل آخره بالموحدة، أو بالمثناة» .
قال أبو عبيدة: لي هنا ملاحظات:
الأولى: ما نقله ابن حجر عن الدارقطني! ليس موجوداً عنده، بل فرق بين (الصلت) و (الصُّلب) . انظر: «المؤتلف» له (٣/١٤٣٥-١٤٣٦) .
الثانية: فرق جمع بين (الصُّلْب) و (الصَّلْت) ؛ منهم: الخطيب في «تلخيص المتشابه» (١/٩٤، ٤٦٢) ، وقال عن (الصلب) هذا: «وليس له غير حديث واحد» ، قال: «وقيل: إنه أخ لبهز بن حكيم بن معاوية القُشيري، ولا يصح ذلك» .
الثالثة: ذكر ابن قطلوبغا في كتابه «من روى عن أبيه عن جده» (ص ٢٨٩) نَقْلَ ابن حجر عن الدارقطني السابق، وقال: «قال العلائي: إن جده لم يسم، وتبعه على ذلك العلامة -يريد: ابن حجر-» ، وتعقبهما بقوله: «وهذا عجب عظيم منهما، فإن جده هو معاوية بن= =حيدة، كما وقع ذلك في «تفسير محمد بن جرير الطبري» ، و «تفسير عبد الرحمن بن أبي حاتم» ، وكتاب «المؤتلف والمختلف» للحافظ أبي الحسن الدارقطني، فتجرد لنا بذلك أن (الصلت) أخو (بهز) ، وحكيم أبوه ... فلله الحمد والمنة» .
قال أبو عبيدة: عجبي لا ينتهي من عجب ابن قطلوبغا، فإن (الصلب) لم يقع منسوباً في الكتب التي أحال إليها، وإنما قال ذلك تقليداً لغيره، وإلا فالدارقطني -مثلاً- فرق بين (الصلت) و (الصُّلْب) .
الرابعة: فرق بين (الصُّلب) -وهو بضم وموحدة- ابن (حُكَيم) -بالضم- و (الصَّلْت) -وهو بفتح ومثناة فوق آخره- ابن (حَكيم) -بالفتح- أيضاً: ابن ماكولا في «الإكمال» (٥/١٩٦) ، وقال: «وقيل: إن (الصلب) بن حكيم أخو بهز بن حَكيم، ولا يصح، ليس له غير حديث واحد» ، وكذلك فعل عبد الغني بن سعيد الأزدي في «المؤتلف والمختلف» (ص ٧٩) ، والذهبي في «المشتبه» (ص ٣١٦) ، وابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» (٣/٢٨٠ و٥/٤٣٦) ، واعتنى بضبط اسميهما، كما أومأنا إليه، والله الموفق.
الخامسة: ثم وجدتُ ابن حجر نفسه في «تبصير المنتبه» (٣/٨٣٩) يفرق بينهما، وينقل مقولة ابن ماكولا السابقة: «ولا يصح» ، ويقره، وهذا هو الصواب الذي لا مرية فيه.
فالحديث إسناده مظلم، وصلب وأبوه وجده مجاهيل، وألان ابن حجر في «العجاب» (١/٤٣٤) الكلام عليه، لما قال: «وفي سنده ضعيف» !

<<  <   >  >>