للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا نزاعَ بين علمائنا في أنَّ الصَّمت وراء الجنائز هو السُّنَّة، لما أن في السُّكوت وراءها ما يبعث على الخشوع والإخبات، وتذكر الموت والآخرة، لكننا نرى المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية، قد خالفوا هذه السُّنَّة، واعتادوا رفع أصواتهم بقراءة القرآن، أو بأذكار أخرى مرتّلة وملحّنة، كما هي في الطّوائف الأخرى غير المسلمة، وعذر بعض العلماء المتأخّرين في قبول ذلك: أنهم لو لم يرفعوا أصواتهم بالذِّكر لاشتغل مشيِّعو الجنازة بالتهامس والخوض في مختلف الأحاديث، وقد رأيت الأستاذ الكبير السيِّد محمد الكتاني (١) -نزيل دمشق- يميل إلى الجهر بالذِّكر أمام الجنائز مع اعترافه بأن السنة هي السكوت، قال (٢) :


(١) هو محمد المكي بن محمد بن جعفر الكتاني الحسني، ولد بمدينة فاس بالمغرب سنة ١٣١٢هـ، ونشأ بها، وانصرف منذ صغره إلى حياة الرجولة بإشارة من والده، فأتقن السباحة والرماية وركوب الخيل والصيد والضرب بالسيف، درس في جامعة القرويين بفاس، ثم غادر بلاده مع والده وأخيه سنة ١٣٢٥هـ كراهية الاستعمار الفرنسي، وتوجهوا إلى الحجاز، وتنقل بين مكة والمدينة، وبقي فيها سنوات طويلة يقرأ على علمائها، ثم انتقل مع أبيه وأخيه إلى دمشق، فنزلوا بحارة الشالة في حي سوقسا روجة، وبعد مدة عاد إلى المغرب مع أسرته واشترك مع والده في الجهاد ضد الفرنسيين، ثم لما توفي والده في مدينة فاس سنة ١٣٤٥هـ، رجع إلى دمشق فاستقر بها. وانظر: «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع الهجري» (٢/٩٠٩) ، ومقدمة «نصيحة أهل الإسلام» (٧٩-٨١) لابنه إدريس، وفيها ذكر المصادر التي ترجمت له على وجه جيد فيه استقصاء.
(٢) من كتبه التي تذكر في ترجمته: «نصرة ذوي العرفان فيما أحدثوه لذكر الهيللة من الطبوع والألحان» ، فلعل هذا النقل فيها، والله أعلم.
وهذا رأي أحمد بن الصديق في «در الغمام الرقيق» (ص ١٣٩) .

وللمهدي بن محمد بن الخضر الوزاني الفاسي (ت ١٣٤٢هـ - ١٩٢٣م) : «تقييد في جواز الذكر على الجنائز» ردّ فيه على العلامة الرهوني، انظر: «معلمة الفقه المالكي» (١٨٦) ، و «المطبوعات الحجرية في المغرب» (٧٨) .
قلت: وهذا رأيه في «النوازل الجديدة الكبرى» (٢/ ٣٩) ، و «المنح السامية في النوازل الفقهية» وهو «النوازل الصغرى» (١/١٦٣-١٦٦) ، ولعل «التقييد» السابق هو كلامه هنا، والله أعلم.
ولأحمد بن أحمد الطيبي الشافعي (٩٧٩هـ) : «رأي في الماشي -كذا- مع الجنازة» ، منه نسخة في مكتبة الجامعة الأمريكية، بيروت، ضمن مجموع كما في «فهارسها» (٣٢٣) .

<<  <   >  >>