وهذا هو مذهب الشافعي رضى الله عنه ولا نعلم فيه خلافا، ولان مالا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمي كالوقف على غير معين.
فان قيل: فقد قلتم إن أهل الكتاب إذا عقدوا عقودا فاسدة وتقابضوا ثم أسلموا وترافعوا الينا لم ننقض ما فعلوه، فكيف أجزتم الرجوع فيما وقفوه على كنائسهم؟ قلنا الوقف ليس بعقد معاوضة، وانما هو ازالة للملك في الموقوف على وجه القربة، فإذا لم يقع صحيحا لم يزل الملك فيبقى بحاله كالعتق، وقد أفتى أحمد رضى الله عنه في نصراني أشهد في وصيته أن غلامه فلانا يخدم البيعة خمس سنين ثم هو حر، ثم مات مولاه وخدم سنة ثم أسلم ما عليه؟ قال هو حر ويرجع على الغلام بأجره خدمة مبلغ أربع سنين.
وروى عنه قال: هو حر ساعة مات مولاه لان هذه معصية.
وظاهر كلام المصنف التفريق بين الذمي ومعابد الكفار، حيث يقول: وان وقف على ذمى جاز الخ.
قلت هذا مبنى على أصل أن الوقف لا يصح على من لا يملك، كالوقف على القن وأم الولد والجن والملائكة ولانه يجوز التصدق عليه أما الوقف على المرتد والحربي في صفوف الاعداء فوجهان.
فمن جعله كالذمي أجاز الوقف عليه.
ومن قال أن القصد من الوقف نفع الموقوف عليه ونحن مامورون بقتل المرتد والحربي، وهذا اقصى درجات الحرمان وهو فقد الحياة، فكيف يجوز
ايصال المنفعة إليه؟ ولان أموال المرتدين والمحاربين مباحة في الاصل، ويجوز أخذها بالقهر والغلبة، فما يتجدد لهم أولى على أن الوقف لا يجوز ان يكون مباح الاخذ لانه تحبيس الاصل وفارق أهل الذمة فانه يصح الوقف عليهم لانهم يملكون ملكا محترما، ولان صفيه ام المؤمنين وقفت على اخ لها يهودى، ولان من جاز أن يقف الذمي عليه جاز أن يقف عليه المسلم كالمسلم، ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم من المارة والمجتازين صح أيضا لان الوقف عليهم لا على الموضع (فرع)
لا يجوز أن يخص نفسه بالوقف وكذلك إذا جعله عاما وجعل لنفسه شيئا منه فانه لا يجوز وقيل يجوز، واستدل القائلون بجوازه، ومنهم أبو عبد الله