وفائدة الخلاف أنا إذا حكمنا ببقاء ملكه لزمته مراعاته والخصومة فيه، ويحتمل أن يلزمه أرش جنايته كما يفدى ام الولد سيدها لما تعذر تسليمه بخلاف غير المالك إذا صح هذا فما ينتفع به باتلافه كالمطعوم المشروب والمشموم فوقفه غير جائز، وكذلك الشمع، وكذلك كل ما يسرع إليه الفساد وكل مالا يمكن الانتفاع به على الداوم وقد ألحق الحنابلة، الدراهم والدنانير بالمأكول والمشروب، ويحكى شئ عن مالك والاوزاعي في وقف الطعام انه يجوز، ولم يحكه أصحاب مالك، وهذا غير صحيح، لان الوقف تحبيس الاصل وتسبيل الثمرة وملا ينتفع به الا بالاتلاف لا يصح فيه ذلك ولا يصح في المشموم مقطوفا ويصح فيه مزروعا لبقائه مدة كما قاله النووي وغيره، ولهذا قال ابن الصلاح والخوارزمي يصح وقف المشموم كالريحان وغيره وكالعنبر والمسك بخلاف عود البخور لاستهلاكه بالمنفعة
وقد اختلف اصحابنا في الدراهم والدنانير فمن قال يجوز ان تكون لها ثمرة دائمة كالاجارة اجاز وقفها، ومن قال بعد جواز الاجارة، قال بعدم جواز الوقف فيها، لان تلك المنفعة ليست المقصود الذى خلقت له الاثمان، ولهذا لا تضمن في الغصب فلم يجز الوقف له واجاز الاصحاب وقف الدراهم والدنانير حليا وللعارية لما روى نافع قال: ابتاعت حفصة حليا بعشرين الفا فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته، رواه الخلال باسناده، ولانه عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها دائما تصح وقفها كالعقار، ولانه يصح تحبيس اصلها وتسبيل الثمرة فصح وقفها كالعقار، والى هذا ذهب أصحاب أحمد.
وروى عن أحمد أنه لا يصح وقفها، وأنكر الحديث عن حفصة في وقفه، وذكره ابن أبى موسى، ووجه هذه الرواية أن التحلى ليس هو المقصود الاصلى من الاثمان فلم يصح وقفها عليه كما لو وقف الدنانير والدراهم.
قال ابن قدامة: والاول هو المذهب، والتحلى من المقاصد المهمة، والعادة جارية به وقد اعتبره الشرع في إسقاط الزكاة عن متخذه وجوز اجارته لذلك، ويفارق الدارهم والدنانير، فان العادة لم تجر بالتحلى به ولا اعتبره الشرع في اسقاط زكاته ولا ضمان نفعه في العصب بخلاف مسألتنا.