الثانية والاربعون: قوله تعالى (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) في هذه الآية رفع الجناح عن عدم الكتابة في كل مبايعة بنقد، يدا بيد، وقد مر في البيوع المرسلة.
الثالثة والاربعون: قوله تعالى " تديرونها بينكم " يقتضى التقايض والبينونة بالمقبوض، ولا يتسنى ذلك في الرباع والارض وكثير من الاشياء الثمينة لا يقبل البينونة ولا يغاب عليه، لذلك حسن الكتابة فيها، ولحقت في ذلك مبايعة الدين والسلم.
قال الشافعي: البيوع ثلاثة، بيع بكتاب وشهود وبيع برهان وبيع بأمانة وقرأ هذه الاية، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ، وإذا باع بنسيئة كتب الرابعة والاربعون، قوله تعالى " وأشهدوا " سبق بيان ذلك في أول
الباب.
وقد روى عن ابن عباس أنه قال لما قيل له إن آية الدين منسوخة.
قال لا والله، إن آية الدين محكمة ليس فيها نسخ.
قال الطبري: والاشهاد إنما جعل للطمأنينة، وذلك أن الله تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا، منها الكتاب ومنها الرهن ومنها الاشهاد، ولا خلاف بين علماء الامصار أن الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب، فيعلم من ذلك مثله في الاشهاد، وما زال الناس يتبايعون حضرا وسفرا، وبرا وبحرا، وسهلا وجبلا من غير إشهاد مع علم الناس بذلك من غير نكير، ولو وجب الاشهاد ما تركوا النكير.
اه.
وقد مر تفصيل ذلك في البيوع وما ورد فيه من الاحاديث الخامسة والاربعون " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قد تشمل هذه الاية درء كل ما يؤدى إلى مضارة الشاهد.
كأن يوقف أمام الحكام زمنا يلحقه من جرائه مضارة، أو يخطب بلهجة تنم عن ازدرائه وخدش حيائه إن كان من أهل الفضل والعلم، فإذا دعى الشاهد إلى الشهادة واعتذر بمشاغله، فلا يهان أو يعنف، أو يكره على الشهادة السادسة والاربعون " وان تفعلوا فإنه فسوق بكم " يعنى مضارة الشاهد، قال سفيان الثوري: إن أذية الكاتب والشاهد إذا كانا مشغولين معصية وخروج عن الصواب من حيث المخالفة لامر الله.