للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وصلت إلينا روايات عديدة عن حوادث هذا اليوم المؤسى ومناظره -يوم احتلال القشتاليين لمدينة غرناطة، آخر الحواضر الإسلامية بالأندلس-، والرواية الغالبة التى يتفق عليها معظم المؤرخين الإسبان تقدم إلينا التفاصيل الآتية عن حوادث هذا اليوم المشهود.

ففى صباح هذا اليوم، كان المعسكر النصرانى فى شنتفى يموج بالضجيج والابتهاج. وكانت الأوامر قد صدرت، والأهبة قد اتخذت لاحتلال المدينة. وكان قد اتفق بين أبى عبد الله والملك فرناندو أن تطلق من الحمراء ثلاثة مدافع تكون إيذاناً بالاستعداد للتسليم. ولم يشأ فرناندو أن يسير إلى الحاضرة الإسلامية بنفسه، قبل التحقق من خضوعها التام، واستتباب الأمن والسلامة فيها.

فأرسل إليها قوة من ثلاثة آلاف جندى وسرية من الفرسان، وعلى رأسها الكردينال بيدرو دى مندوسا مطران اسبانيا الأكبر. وكان من المتفق عليه أيضاً بين فرناندو وأبى عبد الله ألا يخترق الجيش النصرانى شوارع المدينة، بل يسير تواً إلى قصبة الحمراء، حتى لا يقع حادث أو شغب. ومن ثم فقد اخترق الجند القشتاليون الفحص إلى ضاحية أرميليا Armilla ( أرملة) الواقعة جنوبى غرناطة، ثم عبروا نهر شنيل، واتجهوا تواً إلى قصر الحمراء من ناحية التل المسمى "تل الرَّحى" Questa de los Molinos، الواقع غربى المدينة وجنوبى غربى الحمراء.

وسار الملك فرناندو فى الوقت نفسه فى قوة أخرى، ورابط على ضفة شنيل، ومن حوله أكابر الفرسان والخاصة فى ثيابهم الزاهية، حتى يمهد الكردينال الطريق لمقدم الركب الملكى. وانتظرت الملكة إيسابيلا فى سرية أخرى من الفرسان فى أرميليا، على قيد مسافة قريبة.

ووصل الجند القشتاليون إلى مدينة غرناطة من هذه الطريق المنحرفة نحو الظهر، وكانت أبواب الحمراء قد فتحت وأخليت أبهاؤها استعداداً للساعة الحاسمة.

وهنا تختلف الرواية، فيقال إن الذى استقبل الكردينال مندوسا وصحبه هو الوزير ابن كماشه، الذى ندب للقيام بتلك المهمة المؤلمة، وسلم الحرس المسلمون السلاح والأبراج. وكان يسود المدينة كلها، ويسود القصبة والقصر، وما إليه، سكون الموت.

وفى رواية أخرى أن أبا عبد الله قد شهد بنفسه تسليم الحمراء، وأنه حينما تقدم القشتاليون من تل الرَّحى صاعدين نحو الحمراء، تقدم أبو عبد الله من

<<  <  ج: ص:  >  >>