للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- التنبيه على غباوة السامع، وأنه لا يفهم إلا بالتصريح كأن يقول لك إنسان: هل محمد صنع هذا، فتجيبه: محمد صنعه، فتأتي به علما لقصد التنبيه على بلادة المخاطب.

٧- أن يكون العلم كناية عن معنى يصلح العلم له باعتبار معناه الأصلي قبل أن يكون علما كما تقول: "أبو لهب فعل كذا" كناية عن معنى هو: كونه جهنميا, أي: من أهل جهنم، وكأنك قلت: جهنمي فعل كذا، وهذا المعنى يصلح العلم له بالنظر إلى معناه الوضعي قبل أن يجعل علما على الذات.

وتوجيه الكناية فيه: أن "أبو لهب" بحسب معناه الأصلي قبل جعله علما على الذات كان مركبا إضافيا معناه كما قال العصام١: من تتولد منه النار بمعنى: أنه وقودها كما تتولد النار من الخشب، فكأن الخشب أب لها، ويلزم من كون الإنسان وقودا للنار أن يكون جهنميا أي: من أهل جهنم إذ المراد بالنار نار جهنم قال تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} فلفظ "أبو لهب" بهذا المعنى المذكور ملزوم، وقد أطلق لينتقل منه إلى لازمه وهو كونه جهنميا، والانتقال من الملزوم إلى اللازم هو معنى الكناية, وهذا الانتقال -كما ترى- من المعنى الإضافي، لا من المعنى العلمي٢ فإذا قلت في شأن


١ وهذا المعنى أسلم مما ذهب إليه غيره من أن معنى "أبو لهب": ملازم
للنار وملابسها، ويلزم ذلك أن يكون جهنميا إذ ورد عليه أن الملازمة ممنوعة, فإن الفران ملازم للنار وملابس لها, وهو مع ذلك ليس
جهنميا، وهاهم أولاء الملائكة الزبانية ملازمون للنار الحقيقية وهم كذلك ليسوا جهنميين, فاحتيج إلى الرد "بالنسبة إلى الفران" بأن المراد باللهب اللهب الحقيقي, وهو نار جهنم لا مطلق لهب, وبأن المراد باللزوم بالنسبة إلى الزبانية اللزوم العرفي, وهو أن يكون أحد الأمرين بحيث يصلح للانتقال منه إلى الآخر, وإن لم يكن هناك لزوم عقلي, وهذا اللزوم كاف عند علماء المعاني, ومثل هذا لا يرد على تفسير العصام لمعنى المركب المذكور, إذ ليس من شك في لزوم كونه جهنميا لذلك المعنى وهو كونه وقودا للنار.
٢ لأن المعنى العلمي هو الذات المسماة بأبي لهب, والذات من حيث هي لا يلزمها أن تكون جهنمية لاحتمال أن تكون ذاتا صالحة. بخلاف المعنى الإضافي وهوكونه أبا للهب بمعنى أنه وقودها, فإن هذا هو الذي يلزمه أن يكون جهنميا.

<<  <  ج: ص:  >  >>