للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨- بسط الكلام وإطالته، وذلك حيث يكون إصغاء١ السامع مطلوبا للمتكلم لخطر مقامه، أو لقربه من قلبه، ولهذا يطال الكلام مع الأجباء مثاله، قوله تعالى حكاية لقول موسى عليه السلام: {هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} الآية، قال ذلك حين سأله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} ؟، وكان يكفي في الجواب أن يقول: "عصا" لأن "ما" للسؤال عن الجنس لكنه ذكر المسند إليه، وهو "الضمير" حبا في إطالة الكلام في حضرة الذات العلية، وأي مقام يستدعي بسط الكلام فيه كهذا المقام؟ ولهذا لم يكتف موسى عليه السلام بذكر المسند إليه، بل أعقب ذلك بذكر أوصاف لم يسأل عنها، فقال: أتوكأ عليها إلى آخر الآية٢, ومثله أن يسألك إنسان تحبه وتجله: ماذا بيدك؟ فتقول له: "هذا كتابي رفيقي في غربتي، وسميري في وحدتي" وكان يكفي أن تقول: "كتاب" لأن السؤال عن جنس ما بيدك لكنك ذكرت المسند إليه حبا في إطالة الكلام في حضرة من تحبه, ولذلك أضفت إليه وصفين لم تسأل عنهما.

٩- قصد التهويل والإرهاب كقولك: أمير البلاد يأمرك بكذا، فتذكر المسند إليه باسم الأمارة تهويلا للمخاطب، وإرهابا ليكون ذلك أدعى إلى الامتثال والطاعة.


١ المراد بإصغاء في الآية لازمه وهو السماع, فيكون مجازا مرسلا وإنما كان المراد ذلك هنا؛ لأن الإصغاء بالمعنى المعروف الذي هو إمالة الأذن لسماع الكلام محال في حقه تعالى.
٢ الإجمال في آخر الآية في قوله: ولي فيها مآرب أخرى، ينافي حمل الآية على البسط والمناسب لذلك تفصيل تلك المآرب, والجواب أحد احتمالين الأول أن يكون موسى كان يترقب السؤال منه تعالى عن تفصيل ما أجمل فيتلذذ بخطاب الله له -الثاني- أن يكون الحياء قد غلب عليه لمزيد المهابة والإجلال فلم يستطع الاسترسال في القول, ثم إن في جواب موسى عليه السلام إشكالا وهو أن السؤال "بما" عن الجنس فكيف أجاب بالشخص، بل ولم ذكر هذه الصفات وهي غير مسئول عنها وإنما المسئول عنه الجنس؟ ويجاب بأنه أجاب عن الجنس في ضمن هذا الفرد فكأنه قال: هي جنس هذا الفرد, وأن "ما" كما تكون للسؤال عن الجنس قد تكون للسؤال عن الصفة فموسى عليه السلام احتاط فجمع في جوابه بين الأمرين لاحتمال أن يكون السؤال عن هذا أو ذاك أو عنهما معا.

<<  <  ج: ص:  >  >>