للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الربيع، كان الإسناد مجازا؛ لأن المخاطب يفهم حينئذ من ظاهر حال المتكلم أن الإسناد لغير ما هو له، ويكون اعتقاده هذا قرينة المجاز.

لكن هل يشترط أن يكون المتكلم عالما بأن المخاطب يعتقد فيه ما ذكر ليكون علمه باعتقاده ذلك نصبا للقرينة الصارفة، أو لا يشترط ذلك؟

قيل بالأول لأن الشرط نصب القرينة، لا مجرد وجودها؛ وقيل بالثاني لأن الشرط وجود القرينة الصارفة، والراجح الأول.

لكن قد يقال: إذا كان المخاطب غير جازم بحال المتكلم: فلا يدرى أهو مؤمن يضيف الإنبات إلى الله، أم كافر يضيف الإنبات إلى الربيع، فمن أي قبيل يكون الإسناد، أمن الحقيقة هو، أم من المجاز؟

وقد يجاب بأنه حقيقة إذ لا قرينة صارفة فظاهر حال المتكلم حينئذ أنه يسند الفعل إلى ما هو له.

٢- ما طابق الواقع فقط كقول المعتزلي، وهو يخفي حاله عن المخاطب: "خلق الله الأفعال كلها" فقد طابق هذا الإسناد الواقع؛ لأن الأفعال كلها لله تعالى حقيقة، ولم يطابق اعتقاد المعتزلي لاعتقاده أن خالق الأفعال الاختيارية هو العبد, ولا فرق في ذلك بين أن يكون المخاطب يعرف حال المتكلم أو لا, فالمدار في كون الإسناد حقيقة على قصد الإخفاء؛ لأن المتكلم حينئذ لا ينصب قرينة على عدم إرادة ظاهر اللفظ، فالمفهوم من ظاهر حاله حينئذ أن الإسناد لما هو له.

فإن قال المعتزلي ذلك وهو يظهر حاله للمخاطب كان الإسناد مجازا؛ لأن الإظهار حينئذ يكون بمثابة قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له، بل إلى السبب، وهو الله تعالى في زعمه.

٣- ما طابق الاعتقاد فقط كقول الكافر "أخرج الغيث النبات" فإن إخراج النبات في الواقع لله، وفي اعتقاد الكافر للغيث، ومحل ذلك إذا كان المخاطب يعلم أن المتكلم كافر ينسب الآثار لغير الله، والمتكلم يعلم منه ذلك إذ المفهوم من ظاهر حال المتكلم حينئذ أن الإسناد إلى ما هو له، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المخاطب مؤمنا أو كافرا إذ المدار على اعتقاده بأن المتكلم كافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>