للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان المخاطب في المثال السابق منكرا لنجاح أخيه، معتقدا إخفاقه لسبب ما وجب عليك أن تؤكد له الخبر محوا لهذا الإنكار، فتقول: "إن أخاك لناجح" فإن لم يقتنع المخاطب، وأصر على إنكاره زدته تأكيدا١. حتى يمحي هذا الإنكار, ومنه قوله تعالى حكاية عن رسل عيسى عليه السلام إذ كذبوا٢ في المرة الأولى: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} مؤكدا بإن، واسمية الجملة٣، وإذ كذبوا في المرة الثانية قال: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} مؤكدا بالقسم٤، وإن، واللام، واسمية الجملة لإمعان المخاطبين في الإنكار إذ قالوا: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} وسمي هذا الضرب إنكاريا؛ لأنه مسبوق بإنكار, وهكذا تختلف الأساليب باختلاف المقاصد، ويتنوع الكلام حسبما يقتضيه المقام.

وقد يخفى على بعض ذوي البصر ما في اللغة العربية من خواص ودقائق، فيقع في حيرة وارتباك حتى يقيض الله له بعض من سبروا غورها، ووقفوا على أسرارها، فيحسر اللثام عن وجه الحقيقة، ويداوي


١ مؤكدات الحكم كثيرة منها: إن المكسورة، والقسم، ونونا التوكيد، ولام الابتداء، واسمية الجملة، وتكريرها، وحروف التنبيه، وضمير الفصل، وقد التي للتحقيق، وأداة الحصر، وغير ذلك.
٢ عبر بصيغة الجمع مع أن المكذب في المرة الأولى اثنان بدليل قوله: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} ؛ لأن تكذيب الاثنين تكذيب للثلاثة, إذ إن ما جاء به الثالث عين ما جاء به الاثنان.
٣ أي: كونها اسمية وليس المعنى صيرورتها وجعلها اسمية, إذ لا يشترط في التأكيد بها كونها معدولا بها إلى الاسمية وكما فهم, ثم إن الجملة الاسمية لا تفيد التأكيد إلا إذا اعتبرت مؤكدة بأن قصد التأكيد بها، وقيل لا تفيد التأكيد وحدها، بل تفيده مع مؤكد آخر.
٤ وهو قوله {رَبُّنَا يَعْلَمُ} فقد ذكروا أنه جار مجرى القسم في التأكيد كشهد الله وعلم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>