للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان١

يصف الشاعر قومه بالبسالة، وحسن البلاء في الحروب، وأن سيوفهم لا تعرف غير المقاتل جفونا، كنى بمجامع الأضغان، وهو معنى واحد عن القلوب. والمراد بوحدة المعنى ألا يكون من أجناس مختلفة، وإن كان مثنى أو جمعا فمجامع الأضغان في قول الشاعر السابق -وإن كان جمعا- هو معنى واحد من حيث إن مدلوله جنس واحد هو "القلوب" لا أجناس مختلفة، وكون القلب مجمع الضغن وصف خاص به، فلا يحل الضغن في غيره.

الثاني: ما يكون الكناية فيه مجموع معانٍ مختلفة ضم بعضها إلى بعض؛ لتكون جملتها مختصة بالموصوف، فيتوصل بذكرها إليه كما يقال في الكناية عن الإنسان: زارني حي، مستوي القامة، عريض الأظفار، فالكناية مجموع هذه المعاني من الحياة، واستواء القامة، وعرض الأظفار، لا كل واحد منها، وهذه المعاني مجتمعة وصف خاص بالإنسان، لا يوجد في سواه٢.

والثالثة -وهي المطلوب بها نسبة٣- ضابطها: أن يصرح بالموصوف والصفة، ولا يصرح بالنسبة بينهما، ولكن يذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها. وهذه النسبة إما أن تكون إثباتا أو نفيا؛ فمثالها في الإثبات قولهم: "المجد بين بردي محمد" كناية عن إثبات المجد له, فقد صرح في هذه الكناية بالموصوف، وهو "محمد".


١ الأبيض: السيف, والمخذم كمنبر: القاطع, والأضغان: جمع ضغن وهو الحقد، وكل من الضاربين والطاعنين منصوب على المدح بقدرتهم على النكاية, والفتك بالأعداء.
٢ ويسمى هذا النوع عند ذوي العلوم العقلية "خاصة مركبة"؛ لتركبها من جملة معانٍ مختلفة، ويسميه السكاكي كناية بمعنى صعوبة المأخذ, والانتقال فيها لتركبها من عدة أمور.
٣ أي: إثبات أمر لأمر, أو نفيه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>