للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبه النظر بالسهم في شدة التأثير، واستعار السهم للنظر، و"ريشه" ترشيح؛ لأنه من ملائمات المستعار منه, من قولهم: راش السهم إذا ألصق عليه الريش ليكون أحكم في الرماية, و"الكحل" تجريد؛ لأنه من ملائمات المستعار, والقرينة حالية بهذا الاعتبار, فإن اعتبر "الكحل" قرينة كان "ريشه" ترشيحا, واعتبرت الاستعارة مرشحة.

ومما ينبغي أن يعلم, أن اعتبار الترشيح والتجريد إنما يكون بعد استيفاء الاستعارة قرينتها؛ فقولك: "رأيت سحابا يعطي" استعارة لا ترشيح فيها ولا تجريد؛ لعدم اقترانها بما يلائم أحد الطرفين، وأما قولك: "يعطي" فهو قرينة الاستعارة، فلا يعتبر تجريدا، وإن كان من ملائمات المستعار له؛ لأن الترشيح والتجريد -كما قلنا- إنما يعتبران بعد تمام الاستعارة، وهي إنما تتم بالقرينة, ولو أن القرينة في هذا المثال حالية لكان قولك: "يعطي" تجريدا؛ لملاءمته للمستعار له.

والمطلقة: ما لم يقترن بشيء من ملائمات أحد الطرفين, كما تقول: "عطشي إلى لقائك شديد"؛ شبه الشوق بالعطش بجامع ما يترتب على كل من التلهف، ثم استعير العطش للشوق, والقرينة قولك: إلى لقائك. ومثله قولك: "رأيت بحرا في سوق عكاظ" أي: شاعرا فحلا, فالاستعارة في المثالين مطلقة لعدم اقترانها بشيء يلائم أحد الطرفين. وسمي هذا القسم استعارة مطلقة لإطلاقها عن التقييد بما يلائم أحد الطرفين.

قالوا: ومن قبيل المطلقة ما اجتمع فيها ترشيح وتجريد كالبيتين السابقين؛ لأنهما باجتماعهما تتعارضان فتتساقطان, فكأن لا ترشيح، ولا تجريد. وكما في قولك: "زارني غيث غزير يعطي ياليمين واليسار" ففي هذا المثال ذكر ما يلائم الطرفين، فالغيث وهو المشبه به يلائمه غزير، والرجل الجواد وهو المشبه يلائمه يعطي باليمين

<<  <  ج: ص:  >  >>