للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه أثر المداد, وصورة القلم المذكورة قلّما تخطر بالبال عند تصور قرن الغزال ذي الطرف الأسود؛ لما بين الصورتين من بعد المناسبة, فقد أراك الشاعر عناقا بين متباعدين أشد التباعد، ومن هنا كان الاستطراف١. ومثله ما تقدم لك من تشبيه أزهار البنفسج فوق سيقانها بلهيب النار في أطراف الكبريت, إذ أراك شبها لنبات غض، وأوراق رطبة بلهب نار في جسم استولى عليه اليبس. ومبنى الطباع على أن الشيء إذا ظهر في مكان لم يعهد ظهوره فيه كانت صبابة النفس به أكثر، وكان الولع به أجدر.

ولا يشترط لتحقيق هذا الغرض ما اشترط في غيره من كون المشبه به أتم, وأشهر في وجه الشبه من المشبه، بل كلما كان المشبه به أندر وأخفى كان التشبيه لتأدية هذا الغرض أتم وأوفى.

تنبيه:

اعلم أن التشبيه إلحاق شيء بشيء في معنى, أو هو قياس شيء على شيء في هذا المعنى، والأول هو المشبه أو المقيس، والثاني هو المشبه به أو المقيس عليه, ومقتضى الطبع أن يكون المشبه به الذي هو المقيس عليه أصلا في وجه الشبه للمشبه الذي هو المقيس. وإذًا فقاعدة التشبيه تقتضي أن يكون المشبه به أتم وأشهر في وجه الشبه من المشبه ليصح الإلحاق أو القياس، وبهذا صرح السكاكي إذ قال: إن حق المشبه به أن يكون أعرف بجهة التشبيه من المشبه، وأخص بها، وأقوى حالا معها ... إلخ، وقد جرى عليه أبو العلاء المعري في قوله:

ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسـ ... ـك وقاعدة التشبيه نقصان ما يحكي


١ وإنما جاء الاستطراف إلى المشبه من حيث إنه أحد المتباعدين المتعانقين, أو من حيث تصويره بصورة النفيس الممتنع مع تفاهته, أو بصورة نادرة الحضور في الذهن مع عدم ندرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>