الثاني: مما تقدم من الأمثلة تعلم أن الوجه إذا كان حسيا، مفردا كان، أو مركبا، أو متعددا, أو كان بعضه حسيا كما في المتعدد المختلف، أو المركب المختلف؛ وجب أن يكون الطرفان حسيين أيضا. أما الأول فلأحد سببين:
"أحدهما": أنه لا بد من قيام وجه الشبه بالطرفين تحقيقا للتشارك بينهما، والحسي لا يقوم بغير الحسي "فالبياض" مثلا مما يدرك بحاسة البصر. فلو جعل مشتركا بين شيئين وجب أن يكونا من المبصرات حتى يتأتى قيام البياض بهما. كذلك "الملاسة" مما تدرك بحاسة اللمس، فلو جعلت موضع اشتراك بين شيئين وجب أن يكونا من الملموسات حتى يتأتى قيام الملاسة بهما, وهكذا يقال في سائر المحسات.
"ثانيهما": أنه لا بد من إدراك الوجه في الطرفين ليتحقق لنا التشارك فيه، والحواس لا تدرك غير المحسات, فحاسة البصر مثلا لا تدرك إلا ما كان مبصرا، وحاسة السمع لا تدرك إلا ما كان مسموعا, وحاسة اللمس لا تدرك إلا ما كان ملموسا. وهكذا ومحال أن تدرك هذه الحواس شيئا من المعقولات، فلا تبصر العين معنى "الكرم"، ولا تلمس اليد معنى "الشجاعة" ولا تشم الأنف معنى "الحلم".
وأما الثاني -وهو ما كان بعضه حسيا وبعضه عقليا- كما في الوجه المتعدد أو المركب؛ فلأنه لا بد من قيام كل واحد من ذلك المتعدد, أو كل جزء من ذلك المركب بالطرفين، أو إدراكه فيهما -كما قلنا- ويمتنع بداهة قيام الحسي بالعقلي، أو إدراكه فيه كما بينا.
أما الوجه العقلي فيصح -على ما تقدم- أن يكون طرفاه عقليين، أو حسيين، أو مختلفين. فالعقليان كأن تشبه وجود الجاهل بعدمه في الخلو من الفائدة، والحسيان كأن تشبه قوي البأس