للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي تكرار قوله: "يا قبر معن" إظهار لكمية الحزن المندلعة ناره بين جوانحه على فقده.

"و" طول الفصل: كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} , كررت "إنَّ واسمها" لطول الفصل خشية أن يكون الذهن قد ذهل عما ذكر أولا, ومثله قول الشاعر:

وإن امرأ دامت مواثيق عهده ... على مثل هذا إنه لكريم

٧- يكون بالتكميل, ويسمى الاحتراس أيضًا, وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المراد بما يدفعه كقول المتنبي.

غير اختيار قبلت برك بي

والجوع يرضي الأسود بالجيف

فقوله: "غير اختيار" تكميل أتى به دفعًا لتوهم أن قبول البر عن رضا واشتهاء له, وكقول المعتز يصف فرسا:

صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل

فقوله "ظالمين" تكميل واحتراس دفع به توهم أنها تستحق الضرب لبلادتها، أو لسوء سيرها, وكقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} تكميل واحتراس قصد به دفع إيهام أن وصفهم بالذلة لضعفهم وهوانهم: من حيث إن شأن المتذلل أن يكون ضعيفًا مهينًا دفع ذلك بأن تذللهم للمؤمنين ليس عن ضعف ومهانة، وإنما هو وليد التوضع منهم للمؤمنين، بدليل أنهم أعزة على الكافرين.

٨- يكون بالتتميم, وهو أن يؤتى في الكلام بفضله لنكتة سوى دفع توهم غير المراد كالمبالغة في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} فقوله: {عَلَى حُبِّهِ} تتميم أريد به المبالغة في مدحهم بالسخاء والكرم, أي يطعمونه مع حبهم، واشتهائهم له، واحتياجهم إليه, ولا شك أن إطعام الطعام -مع اشتهائه والاحتياج إليه- أبلغ في المدح بالكرم من مجرد إطعام الطعام, ومثله قول زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان:

من يلق يوما على علاته هرما ... يلق السماحة منه والذي خلقا

<<  <  ج: ص:  >  >>