للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتخذ لسطح القبيبة المصغرة الاسم للخصوصيّة التي كانت مائلة على الصّرح الممرّد المشهور شأنه بقصر الزهراء قراميد [مغشاة] (١) ذهباً وفضّة أنفق عليها مالاً جسيماً، وقرمد سقفها به، وجعل سقفها صفراء فاقعة، إلى بيضاء ناصعة، تستلب الأبصار بأشعّة نورها، وجلس فيها إثر تمامها يوماً لأهل مملكته، فقال لقرابته ومن حضر من الوزراء وأهل الخدمة مفتخراً عليهم بما صنعه من ذلك مع ما يتصل به من البدائع الفتانة: هل رأيتم أن سمعتم ملكاً كان قبلي فعل مثل هذا أو قدر عليه؟ فقالوا: لا والله يا أمير المؤمنين، وإنّك لأوحد في شأنك كلّه، وما سبقك إلى مبتدعاتك هذه ملك رأيناه، ولا انتهى إلينا خبره، فأبهجه قولهم وسرّه، وبينما هو كذلك إذ دخل عليه القاضي منذر بن سعيد وهو ناكس الرأس (٢) ، فلمّا أخذ مجلسه قال له كالذي قال لوزرائه من ذكر السقف المذهب واقتداره على إبداعه، فأقبلت دموع القاضي تنحدر على لحيته وقال له: يا أمير المؤمنين ما ظننت الشيطان لعنه الله يبلغ منك هذا المبلغ، ولا أن تمكّنه من قيادك هذا التمكين، مع ما آتاك الله من فضله ونعمته، وفضّلك به على العالمين، حتى ينزلك منازل الكافرين، قال: فانفعل عبد الرحمن لقوله، وقال له: انظر ما تقول، وكيف أنزلني منزلتهم؟ قال: نعم، أليس الله تعالى يقول " ولولا أن يكون النّاس أمّةً واحدةً - الآية " فوجم الخليفة، وأطرق مليّاً ودموعه تتساقط خشوعاً لله تعالى، قال الحاكي (٣) : ثمّ أقبل على منذر وقال له: جازاك الله يا قاضي عنّا وعن نفسك خيراً وعن الدين والمسلمين أجلّ جزائه، وكثر في الناس أمثالك، فالذي قلت هو الحق، وقام عن مجلسه ذلك وهو يستغفر الله تعالى، وأمر بنقض سقف القبيبة، وأعاد قرمدها تراباً على صفة غيرها، انتهى ما حكاه ابن الحسن النّباهي.


(١) زيادة من المرقبة العليا. وفي ط ج ق: قراميد ذهب ... الخ.
(٢) المرقبة العليا: واجعاً ناكس الرأس. وفي ك ط: واهماً - وذلك تصحيفه -.
(٣) قال الحاكي: سقطت من ك.

<<  <  ج: ص:  >  >>