للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سبق أن أوجز إنجلز رد الماركسية على هذا التشهير بقوله: إن الرأسماليين هم أولى بهذه التهم التي يحاولون التخلص منها بإسقاطها على الغير. ففي تعليقه على الفلسفة الكلاسيكية الألمانية سخر من البرجوازي الألماني المترهل الذي "يفهم من المادية النهم إلى الطعام والسكر والتبجح واللذات الجنسية والجشع للنقود والبخل والفسق والركض وراء البورصة والقمار، وباختصار كل تلك الرذائل التي يستسلم لها سرا"١.

هكذا رفضت الماركسية حملة التشهير الموجهة ضد المادية عبر التاريخ، وعزتها إلى المفكرين المدافعين عن مصالح كبار الملاك في الحضارات المتعاقبة من أجل طمس حقيقة المادية المعبرة عن مصالح الأغلبية الواقعة تحت الاستغلال. هذا علاوة على أنه حتى من الناحية الأخلاقية, فإن للمادية قيمها ومثلها العليا التي تحض على التضحية وإنكار الذات, وبالتالي تتنافى مع الاتهامات الموجهة إليها.

على العكس من ذلك، ترى الماركسية أن المفهوم الصحيح لكلمة مادية هو المفهوم الفلسفي, والذي ترى أنه يمثل السبب الكامن وراء حملة التشهير ضدها. فالمادية هي مفهوم للعالم أو طريقة معينة في فهم ظواهر الطبيعة والمجتمع, وتفسيرها على أساس مبادئ محددة, أي: على أساس منهج مادي أيضا.

تعني المادية أول ما تعني أن العالم, أو الواقع موجود خارج شعور الإنسان أو وعيه ومستقل عنه. أي: إنها تفصل بين الطبيعة المادية والذات المدركة, وتعترف بوجود الأشياء المادية مستقلة عن العقل الذي يدركها. تبدأ المادية من الواقع؛ لأنها تؤمن بقدرة الإنسان على تحويله إلى واقع أفضل, أي: إلى واقع مثالي بالمعنى العلمي للكلمة. هذا الإيمان بقدرة الإنسان على تغيير الواقع هو بالذات موطن الخطورة الذي يرى فيه أعداء المادية دعوة ثورية للقضاء على الفلسفات, والنظم الرجعية.


١ جورج بوليتزير، المادية والمثالية في الفلسفة، مرجع سابق، ص١٤، ١٥, المادية الديالكتيكية، مرجع سابق، ص١٥، انظر فيما يلي، الفصل العاشر، حاشية ٢.

<<  <   >  >>